فصل: (سورة الممتحنة: الآيات 4- 5)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة الممتحنة مدنية، وهي ثلاث عشرة آية، نزلت بعد الأحزاب.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الممتحنة: الآيات 1- 2]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)}
روى أن مولاة لأبى عمرو بن صيفي بن هاشم يقال لها سارة أتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتجهز للفتح، فقال لها: «أمسلمة جئت»؟ قالت: لا. قال: «أفمهاجرة جئت»؟ قالت: لا. قال: «فما جاء بك»؟ قالت: كنتم الأهل والموالي والعشيرة، وقد ذهبت الموالي، تعنى: قتلوا يوم بدر، فاحتجت حاجة شديدة فحث عليها بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وزوّدوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا، واستحملها كتابا إلى أهل مكة نسخته: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، اعلموا أنّ رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا وعمر وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد- وكانوا فرسانا- وقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة، فخذوه منها وخلوها، فإن أبت فاضربوا عنقها»، فأدركوها فجحدت وحلفت، فهموا بالرجوع فقال على رضي اللّه عنه: واللّه ما كذبنا ولا كذب رسول اللّه، وسل سيفه، وقال: أخرجي الكتاب أو تضعي رأسك، فأخرجته من عقاص شعرها.
وروى أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة: هي أحدهم، فاستحضر رسول اللّه حاطبا وقال: «ما حملك عليه»؟ فقال: يا رسول اللّه ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك. ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكنى كنت امرأ ملصقا في قريش. وروى: عزيزا فيهم، أي: غريبا، ولم أكن من أنفسها، وكل من معكم من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيري، فخشيت على أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يدا، وقد علمت أن اللّه تعالى ينزل عليهم بأسه. وأن كتابي لا يغنى عنهم شيئا، فصدّقه وقبل عذره، فقال عمر: دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق فقال: «وما يدريك يا عمر، لعل اللّه قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ففاضت عينا عمر وقال. اللّه ورسوله أعلم، فنزلت. عدى (اتخذ) إلى مفعوليه، وهما عدوى، أولياء. والعدوّ: فعول، من عدا، كعفوّ من عفا ولكونه على زنه المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد. فإن قلت: {تُلْقُونَ} بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يتعلق بـ:{لا تتخذوا} حالا من ضميره وبأولياء صفة له. ويجوز أن يكون استئنافا. فإن قلت: إذا جعلته صفة لأولياء وقد جرى على غير من هوله، فأين الضمير البارز وهو قولك: تلقون إليهم أنتم بالمودّة؟ قلت: ذلك إنما اشترطوه في الأسماء دون الأفعال، لو قيل: أولياء ملقين إليهم بالمودّة على الوصف. لما كان بد من الضمير البارز، والإلقاء عبارة عن إيصال المودّة والإفضاء بها إليهم: يقال ألقى إليه خراشي صدره، وأفضي إليه بقشوره. والباء في {بِالْمَوَدَّةِ} إما زائدة مؤكدة للتعدي مثلها في {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وإما ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف، معناه: تلقون إليهم أخبار رسول اللّه بسبب المودّة إلى بينكم وبينهم. وكذلك قوله: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أي: تفضون إليهم بمودتكم سرا. أو تسرون إليهم إسرار رسول اللّه بسبب المودّة.
فإن قلت: {وَقَدْ كَفَرُوا} حال من ماذا؟ قلت: إما من {لا تَتَّخِذُوا} وإما من {تُلْقُونَ} أي: لا تتولوهم أو توادّونهم وهذه حالهم. و{يُخْرِجُونَ} استئناف كالتفسير لكفرهم وعتوّهم.
أو حال من كفروا. و{أَنْ تُؤْمِنُوا} تعليل ليخرجون، أي يخرجونكم لإيمانكم. و{إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ} متعلق بلا تتخذوا، يعنى: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي. وقول النحويين في مثله: هو شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه. و{تُسِرُّونَ} استئناف، ومعناه: أي طائل لكم في إسراركم وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمي لا تفاوت بينهما، وأنا مطلع رسولي على ما تسرون {وَمَنْ يَفْعَلْهُ} ومن يفعل هذا الإسرار فقد أخطأ طريق الحق والصواب. وقرأ الجحدري: {لما جاءكم}، أي: كفروا لأجل ما جاءكم، بمعنى: أن ما كان يجب أن يكون سبب إيمانهم جعلوه سببا لكفرهم.
{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ} إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً} خالصي العداوة، ولا يكونوا لكم أولياء كما أنتم {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} بالقتال والشتم، وتمنوا لو ترتدون عن دينكم، فإذن مودة أمثالهم ومناصحتهم خطأ عظيم منكم ومغالطة لأنفسكم ونحوه قوله تعالى: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا} فإن قلت: كيف أورد جواب الشرط مضارعا مثله ثم قال: {وَوَدُّوا} بلفظ الماضي؟ قلت: الماضي وإن كان يجرى في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب، فإن فيه نكتة، كأنه قيل: وودّوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم، يعنى: أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعا: من قتل الأنفس، وتمزيق الأعراض، وردّكم كفارا، وردكم كفارا أسبق المضارّ عندهم وأوّلها، لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم، لأنكم بذّالون لها دونه، والعدوّ أهم شيء عنده أن يقصد أعز شيء عند صاحبه.

.[سورة الممتحنة: آية 3]

{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}
{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ} أي قراباتكم {وَلا أَوْلادُكُمْ} الذي توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم، ثم قال: {يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} وبين أقاربكم وأولادكم {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ}... الآية فما لكم ترفضون حق اللّه مراعاة لحق من يفرّ منكم غدا.
خطأ رأيهم في موالاة الكفار بما يرجع إلى حال من والوه أوّلا، ثم بما يرجع إلى حال من اقتضى تلك الموالاة ثانيا، ليربهم أن ما أقدموا عليه من أي جهة نظرت فيه وجدته باطلا.
قرئ: {يفصل} و{يفصّل}، على البناء للمفعول. و{يفصل} و{يفصّل}، على البناء للفاعل وهو اللّه عزّ وجل. و{نفصل} و{نفصل}، بالنون.

.[سورة الممتحنة: الآيات 4- 5]

{قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قول إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)}
وقرئ: {أسوة} و{إسوة}. وهو اسم المؤتسى به، أي كان فيهم مذهب حسن مرضى بأن يؤتسى به ويتبع أثره، وهو قولهم لكفار قومهم ما قالوا، حيث كاشفوهم بالعداوة وقشروا لهم العصا، وأظهروا البغضاء والمقت، وصرحوا بأن سبب عداوتهم وبغضائهم ليس إلا كفرهم باللّه، وما دام هذا السبب قائما كانت العداوة قائمة، حتى إن أزالوه وآمنوا باللّه وحده انقلبت العداوة موالاة، والبغضاء محبة، والمقت مقة، فأفصحوا عن محض الإخلاص. ومعنى {كَفَرْنا بِكُمْ} وبما تعبدون من دون اللّه: أنا لا نعتدّ بشأنكم ولا بشأن آلهتكم، وما أنتم عندنا على شيء.
فإن قلت: مم استثنى قوله: {إِلَّا قول إِبْراهِيمَ}؟ قلت: من قوله: {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لأنه أراد بالأسوة الحسنة: قولهم الذي حق عليهم أن يأتسوا به ويتخذونه سنة يستنون بها. فإن قلت: فإن كان قوله: {لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} مستثنى من القول الذي هو أسوة حسنة، فما بال قوله: {وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} وهو غير حقيق بالاستثناء. ألا ترى إلى قوله: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}؟ قلت: أراد استثناء جملة {قوله لأبيه}، والقصد إلى موعد الاستغفار له، وما بعده مبنىّ عليه وتابع له، كأنه قال: أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار. فإن قلت: بم اتصل قوله: {رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا}؟ قلت: بما قبل الاستثناء، وهو من جملة الأسوة الحسنة. ويجوز أن يكون المعنى: قولوا ربنا، أمرا من اللّه تعالى للمؤمنين بأن يقولوه، وتعليما منه لهم تتميما لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار، والائتساء بإبراهيم وقومه في البراءة منهم، وتنبيها على الإنابة إلى اللّه والاستعاذة به من فتنة أهل الكفر، والاستغفار مما فرط منهم. وقرئ: {برآء} كشركاء، و{براء} كظراف. و{براء} على إبدال الضم من الكسر، كرخال ورباب. و{براء} على الوصف بالمصدر. والبراء والبراءة كالظماء والظماءة.

.[سورة الممتحنة: آية 6]

{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)}
ثم كرّر الحث على الائتساء بإبراهيم وقومه تقريرا وتأكيدا عليهم، ولذلك جاء به مصدرا بالقسم لأنه الغاية في التأكيد، وأبدل عن قوله: {لَكُمْ} قوله: {لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} وعقبه بقوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فلم يترك نوعا من التأكيد إلا جاء به.

.[سورة الممتحنة: آية 7]

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)}
ولما نزلت هذه الآيات: تشدّد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقربائهم من المشركين ومقاطعتهم، فلما رأى اللّه عز وجل منهم الجدّ والصبر على الوجه الشديد وطول التمني للسبب الذي يبيح لهم الموالاة والمواصلة: رحمهم فوعدهم تيسير ما تمنوه، فلما يسر فتح مكة أظفرهم اللّه بأمنيتهم، فأسلم قومهم، وتمّ بينهم من التحاب والتصافي ما تمّ. وقيل: تزوّج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّ حبيبة، فلانت عند ذلك عريكة أبى سفيان واسترخت شكيمته في العداوة، وكانت أمّ حبيبة قد أسلمت وهاجرت مع زوجها عبد اللّه بن أبي جحش إلى الحبشة، فتنصر وأرادها على النصرانية، فأبت وصبرت على دينها، ومات زوجها، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها عليه، وساق عنه إليها مهرها أربعمائة دينار، وبلغ ذلك أباها فقال: ذلك الفحل لا يقدع أنفه. وعَسَى وعد من اللّه على عادات الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج: عسى أو لعل: فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك. أو قصد به إطماع المؤمنين، واللّه قدير على تقليب القلوب وتغيير الأحوال وتسهيل أسباب المودة {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن أسلم من المشركين.

.[سورة الممتحنة: الآيات 8- 9]

{لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}
{أَنْ تَبَرُّوهُمْ} بدل من {الذين لم يقاتلوكم}. وكذلك {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} من {الذين قاتلوكم}.
والمعنى: لا ينهاكم عن مبرّه هؤلاء، وإنما ينهاكم عن تولى هؤلاء. وهذا أيضا رحمة لهم لتشدّدهم وجدّهم في العداوة متقدّمة لرحمته بتيسير إسلام قومهم، حيث رخص لهم في صلة من لم يجاهر منهم بقتال المؤمنين وإخراجهم من ديارهم. وقيل: أراد بهم خزاعة وكانوا صالحوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه.
وعن مجاهد: هم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا. وقيل: هم النساء والصبيان. وقيل قدمت على أسماء بنت أبى بكر أمّها قتيلة بنت عبد العزى وهي مشركة بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها في الدخول، فنزلت، فأمرها رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها. وعن قتادة: نسختها آية القتال.
{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} وتقضوا إليهم بالقسط ولا تظلموهم.
وناهيك بتوصية اللّه المؤمنين أن يستعملوا القسط مع المشركين به ويتحاموا ظلمهم، مترجمة عن حال مسلم يجترئ على ظلم أخيه المسلم.